التضليل الإعلامي والشائعات
✍️ نبيل سعيد
التضليل الإعلامي وبث الشائعات والخرافات في عصر وسائل التواصل الاجتماعي فقد كثرت اليوم "الشائعات والخرافات"، وكلما التصقت بـ "وسائل الإعلام" كانت آثارها السلبية أكبر، وقد ازداد هذا الأثر السلبي شيوعاً وانتشاراً في السنوات الأخيرة، التي شهدت حرب "الشائعات" تطوراً كبيراً سهّل عملية نشرها وتأثيرها في تفكيك اللحمة المجتمعية، وأحدث حالة من الارباك والانقسام داخل النسيج الاجتماعي، وذلك من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة، وظهور منصات "التواصل الاجتماعي" الذي صُنّف بالإعلام الحديث، فبتغريدة أو منشور واحد على أحد تلك المنصات تنتشر "الإشاعة" كانتشار النار في الهشيم، ولا سيما في ظل الهواتف الذكية، فالأمر هنا لا يحتاج سوى دقائق معدودة؛ لأن تجوب الشائعة الآفاق فبضغطة زر يمكنه تحويل "الإشاعة" إلى مجموعات الواتس آب والتي تحتوي على مئات الأعضاء الذين يقومون بدورهم كذلك في تحويلها الى متلقين آخرين وهكذا.
وبالمقارنة بـ "الشائعات" التقليدية التي تتداولها ألسنة الناس في مجالسهم الخاصة، قد يعتريها التغيير والتبديل، الذي قد يصل لحد التعارض في أحيان كثيرة ويكون كفيلاً بإسقاطها، لكن في هذه الحالة تأخذ الرواية الإلكترونية منحنى آخر فالمتلقي الذي يتحول إلى مرسل لا يقوم سوى بدور واحد هو "النسخ واللصق" أو إعادة التوجيه.
اهم الأسباب التي تعمل على"انتشار الشائعات" والخرافات:
1ـ "البنية العقلية" للإنسان:
كما أشار إلى ذلك الدكتور عبدالكريم بكار بقوله: البنية "العقلية العميقة" لبني الإنسان هي بنية'خرافية" بامتياز، والخرافة سابقة في وجودها على كل من العلم والفلسفة مما تستقي "الخرافة" وجودها واستمرارها من ذخيرة الأوهام التي يحتفظ بها المجتمع بسبب ما عاناه ويعانيه من جهل مطبق، وتخلف سياسي، واجتماعي،واقتصادي شامل وكما قال أحد الفلاسفة: إن قدرة الدجال والمشعوذ على تظليل الجماهير أشد من قدرة العبقري على انقاذها، والسبب يعود الى الجهل فهم يصفقون لمن يقودهم نحو الهاوية بدون شعور أو تفكير.
ولذلك فعصر "الخرافة" لم ينته بعد وستظل "الخرافة" موجودة وربما يتاح لها المزيد من الانتشار اليوم بسبب "وسائل التواصل" العجيبة والمتاحة للصغير والكبير.
2ـ المغالطات و"المعلومات المضللة" وإثارة العواطف بالخداع والمناورة وبطرق تبدو منطقية بحيث يصبح الموهوب في الخطابة وحيل الإقناع ودغدة المشاعر كفيلاً بأن يهزم أي عالم يحتكم إلى العقل كما قال افلاطون. وإلى هذا أشار أيضاً الدكتور عبدالكريم بكار بقوله:
انتهى عصر البراءة والطيبة وجاء عصر المكر والخداع والتخطيط الملون بألف لون.
وهكذا أصبحت الحياة مسرحية هزلية ليس فيها ملامح لأي شئ مات الضمير ورحلت الأخلاق وسيطر "الإعلام المضلل" على أغلب العقول وجَمَّدت مواقع "التواصل الاجتماعي" عقول الكثير من الناس وأصبح تفكيرهم النسخ واللصق حتى إننا سئمنا من تكرار الرسائل وإعادة التوجيه حتى كادت أجهزة الهواتف تنطق وتقول كفى لقد بلغ السيل الزُبا.
وفي الوقت الذي بات "الإعلام" هو الأداة الأكثر تأثيراً في الحكم والسيطرة على الشعوب وصار "التضليل" هو الشغل الشاغل للحكومات وكل من غرضه أن يخدع الناس فمضمون له أن يجد أشخاص من السهل أن ينخدعوا له بسهولة، ولاشك أن الجميع يدرك خطر "الإعلام' وخاصة الإلكتروني منه وحجم تأثيره على الناس فقد بات سلاحاً فتاكاً كونه قادراً على إصابة الملايين بطلقة واحدة.
3ـ القصور في التوعية بخطورة" الشائعات والخرافات" وانعدام الدور لدى الجهات الأساسية التي تسهم في رسم الخريطة الإدراكية لدى الشعوب والأفراد وهي الأسرة، والمسجد، والمدرسة، ووسائل "الإعلام".
4ـ الجهل وانحسار مستوى الوعي المجتمعي:
فحين يسود الجهل ويخيم الجمود العقلي يسارع الناس إلى تصديق كل ما يسمعونه ويتلقونه على أنه حقيقة ثابتة وقد لاحظ علماء الاجتماع أن انتشار "الخرافة' يتسع كلما زادت درجة الجهل والقهر والعجز وفقد الثقة بالنفس.
٥ـ العواطف والمشاعروالاحاسيس:
إن عواطفنا وأحاسيسنا هي التي تشكل" البنية العميقة" لنا، فالإنسان يكون إنسانا ليس على مقدار تفكيره، ولكن على مقدار مشاعره وعواطفه والظاهر أن العاطفة تجعل من نفسها ما يشبه الغشاء أمام عيون العقل.
6ـ انعدام جدوى التشريعات وعدم الجدية في تنفيذها وكذلك قلة الوعى القانوي لدى الغالبية العظمى من الناس.
7ـ الاضرار والابتزاز:
كقيام بعض الشركات المتنافسة، أو الجهات، أو الاحزاب بنشر "شائعات" مجهولة المصدر بهدف الاضرار بالآخر.
8ـ الانتقام والتشهير:
حيث يقوم بعض الأشخاص بنشر وثائق أو معلومات مظللة بهدف الانتقام والتشهير من افراد أو شركات أومؤسسات وذلك بغرض الانتقام الشخصي والتشهير بالاخر.
9ـ عدم الادراك والوعي الكافي بالعواقب الوخيمة التي قد تترتب على "الشائعات والخرافات" والأكاذيب.
10ـ التشفي والتشويه:
هناك بعض من الأشخاص يقومون بفتح حسابات بأسماء مستعارة ويتم استغلالها للإساة للأشخاص، أو الهيئات، أو الجماعات بحيث يقوم بنشر تصريح، أو تغريدة محل انتقاد والهدف تشويه سمعة أو التشفي وبدون أدنى تحري للدقة والأمانة ومغلباً بذلك العاطفة والإثارة.
11ـ الترويج والتلميع:
وهذا النوع من الاعلام المضلل غالباً ما يكون موجه فهو كما يعمل على ابراز وتلميع أشخاص أو جماعات، يعمل كذلك على شيطنة الآخر وقد يهدف لغسيل فساد أو تغطية على جرائم وقد يصنع من المجرم والفاسد بطلاً ورمزاً وطنياً، ويجعل من الوطني والنزيه فاسداً وعميلاً، وقد يكون لهذا الإعلام المضلل مصدر ومرجع لكنه مغلف بصورة حقيقة فيبدو للمتلقى وكأنه الحقيقة.
■ نماذج لـ "الشائعات والخرافات":
1ـ الوصية الخرافية المنسوبة إلى الشيخ أحمد خادم الحرمين الشريفين والتي مفادها أن الشيخ أحمد رأى رسول الله ﷺ وأوصاه ببعض الوصايا، ورغم كذب تلك الوصية من قبل واضعيها إلا أنها انتشرت انتشاراً كبيراً ومازال انتشارها يتكرر حتى يومنا هذا.
2 ـ الكم الهائل من" الشائعات" التي أطلقت في تعز خلال الفترة الماضية وتلقفها كثير من النشطاء ومواقع "التواصل الإجتماعي" وانتشرت بسرعة البرق وأطلقوا أحكام سريعة على الآخرين وصلت إلى اطلاق أقبح الكلمات من السب، والشتم، والألفاظ البذيئة، وتبين فيما بعد كذبها وزيفها نذكر من هذه "الشائعات "على سبيل المثال على الحصر:
الباص الأزرق، وسحل الجندي، وبيت الأوصابي، وحكومة ربي، وطالبة جامعة تعز... وغيرها.
■ من أهم الحلول للحد من انتشار" الشائعات":
اولاً: الانطلاق من قيم ديننا الإسلامي الحنيف ومبادئه السمحة وكذلك قيم المجتمع ومُثله العليا وسوى أكان ذلك تلقى أو نشر:
قال تعالى: ﴿ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۢ بِنَبَإٖ يَقِينٍ﴾ [النَّمۡلِ ٢٢]
وقال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(الحجرات: 6).
وفي الحديث عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ "
ثانياً: البحث والتحقق من صحة الخبر ومصدره عن طريق:
https: www.tineye.com أو Goog
١ـ للصور لمعرفة مصدر الصورة وتاريخها والمعلومات المتعلقة بها.
2 ـ البحث عن الخبر ومصدره وتاريخه والتأكد عما إذا كان تم النفي، أو التعديل عليه، أو تم تزييف المعلومات.
٣ـ البحث والتحقق عن الإشاعة فكثير من الشائعات القديمة يتم إعادة تدويرها من جديد من وقت لآخر، وعن طريق البحث يمكن العثور على مصادرها، فالقاعدة تقول أنه إذا ما انطلقت الإشاعة فإن الكشف عن مصدرها كفيل بقتلها.
4ـ التواصل مع الجهات المعنية للتأكد من صحة الخبر اونفيه.
5ـ تجاهل الإشاعة ذات التأثير الضعيف، حتى لا يكون إلقاء الضوء عليها سببا في نشرها
تعليقات
إرسال تعليق